
اعتبر المراقبون أن وصول المهاجم الفرنسي كيليان مبابي إلى ريال مدريد يعد ناقوس خطر، ولحظة سحق لطموحات برشلونة للعودة إلى نخبة الفرق الأوروبية.
ولكن بنظرة واحدة على جدول الدوري هذا الموسم، سنجد أن القصة مختلفة، حيث يتصدر برشلونة الترتيب بفارق 4 نقاط عن الريال، ويبدو أن الفارق البارز بين الفريقين يتمثل في تسجيل الأهداف.
ونجح هجوم برشلونة في تسجيل 89 هدفًا في الدوري الإسباني حتى الآن مقابل 65 هدفًا للريال، وبالتالي يتفوق البرسا على الفريق الذي كان ينظر إليه منذ فترة وجيزة بامتلاكه خط الهجوم الأقوى في أوروبا، ونجح البرسا في تحقيق ذلك دون الاعتماد على نفس الأسماء اللامعة التي يمتلكها المرينجي.
ولا يزال الهيكل والتماسك هما حجر الأساس لأي فريق ناجح، وتعزز نجاحات خط هجوم برشلونة هذا الموسم تلك الفكرة.
مخاطرة عالية ومكافأة كبيرة
الدوري الإسباني – لا ليجاريال مدريدريال مدريدسيلتا فيجوسيلتا فيجو
نجح هانز فليك في تشكيل فريق يعتمد على اللعب المباشر، ويميل إلى اختراق خطوط الخصم بالتمريرات السريعة في وسط الملعب، ولكن كل شيء يبدأ بخط الدفاع المتقدم الذي يضغط الملعب.
ويساهم هذا الشكل المتماسك إلى جانب الضغط المستمر في تعزيز الانتقال الهجومي للبرسا والفوز بالكرة في مناطق متقدمة من أرض الملعب.
وتبدو فعالية هذا النهج واضحة، ففي ثمن نهائي دوري الأبطال نجح برشلونة في إتمام 16 ضغطا معاكسا على بنفيكا، وهو الرقم الأعلى بين جميع الفرق في ذلك الدور.
EPA
فبدلًا من إعادة ضبط اللعب، يهاجم برشلونة على الفور محولًا التعافي الدفاعي إلى فرص هجومية على الفور، وبمجرد الاستحواذ على الكرة يحافظ برشلونة على نفس المستوى الهجومي، فبدلًا من إغراق منطقة الجزاء بالتمريرات العرضية والكرات الطولية، يركز البرسا على الدقة.
ويبقى هدف برشلونة هو وضع المهاجمين في مواقع مميزة بدلًا من تكليفهم بمهام صعبة، وهنا تبرز أهمية النواة التقنية للكتالونيين المتمثلة في بيدري وفرينكي دي يونج وداني أولمو، حيث يمتلكون قدرة على استغلال المساحات الضيقة وتفكيك الدفاعات المتراصة من خلال التمريرات السريعة التي تضمن للمهاجمين استلام الكرة في أفضل الظروف.
ويعمل هذا الثلاثي على التحرك بصورة لا تتوقف سواء عند الاستحواذ على الكرة أو بدونها، وبالتالي يساهم هذا النظام في تألق الثلاثي الأمامي، وتكون فرصة لامين يامال وروبرت ليفاندوفسكي (أو بديله توريس) ورافينيا أسهل للتألق بتواجد مثل هؤلاء اللاعبون من خلفهم.
تكامل
من الأمور المميزة في الثلاثي الهجومي لبرشلونة التكامل بينهم، حيث يتألق يامال كمهاجم داخلي متألقًا في الجانب الأيمن، ويمكنه التحكم في اللعب كصانع لعب، وهو أكثر اللاعبين تحت 21 سنة خلقًا للفرص من اللعب المفتوح في الدوريات الخمس الكبرى، وبالتالي قدرته على الاختراق إلى الداخل والعمل كصانع ألعاب تجعله كابوسًا للمدافعين.
أما ليفاندوفسكي فيتميز بلعب دور المحطة، إضافة إلى قدرته التهديفية العالية، فعلى الرغم من إهدار الفرص السهلة في بعض الأحيان، إلا أن قدرته على عزل المدافعين والتواجد في مناطق الخطورة أثمرت عن تسجيله 40 هدفًا في جميع المسابقات هذا الموسم، لكن هناك شكوك في قدرته على البدء أساسيا في المواجهة أو حتى الدخول ضمن قائمة المباراة بسبب الإصابة، وسيكون توريس البديل المثالي له خاصة مع صفاته بالتحرك والسرعة والقدرة على اقتناص الفرص.
ويكمل رافينيا الثلاثي بتعدد مهاراته، والأهم من ذلك قدرته على الجري المباشر، ففي الوقت الذي يفضل يامال وليفا الكرة عند أقدامهما، فإن تحرك رافينيا في المساحات الفارغة يجعله لا غنى عنه في التحولات.
وتبرز أهدافه ضد بايرن ميونخ والعديد من الأهداف الأخرى في دوري الأبطال، قدرته على ضرب الدفاعات بالانطلاقات محكمة التوقيت.
كما أن تحركاته المنحنية خلف المدافعين واستغلاله لجانبهم الأعمى، تجلعه في كثير من الأحيان متلقيًا لتمريرات يامال أو بيدري.
وعمل فليك على تعزيز نقاط قوة كل مهاجم بوضعه في أدوار تناسب ميوله الطبيعية، فبدلًا من عزل رافينيا على الطرق وإثقاله بمهام المراوغة المفرطة، منحه حرية التحرك إلى الداخل والاستفادة من الهجمات المرتدة.
كما أن أدوار الثلاثي الأمامي ليست جامدة، حيث يتمتع كل لاعب بالمرونة اللازمة للمساهمة بما يتجاوز نطاق مهامه الأساسية، فيامال على سبيل المثال قادر على اللعب بسلاسة كجناح تقليدي على خط التماس والتألق في المواقف الفردية واحد إلى واحد والقيام بانطلاقات حاسمة خلف المدافعين، وبدوره يمكن لرافينيا أيضًا اللعب كصانع ألعاب.
معاناة الريال
EPA
يضم ريال مدريد العديد من النجوم البارزين في الأمام، ولكن نظام الفريق لا يظهر نقاط قوتهم، فمن أبرز نقاط الضعف الثنائي مبايي وفينيسيوس جونيور، حيث يتألق كلاهما في مناطق لعب متشابهة ويفضلان القيام بانطلاقات متطابقة بدون الكرة.
وعلى الرغم من براعة كارلو أنشيلوتي في منح نجومه الحرية، إلا أن غالبًا ما يدفع ذلك ريال مدريد للاعتماد على لحظات تألق فردية بدلًا من خطة واضحة المعالم.
وقد يكون ذلك الغموض كافيًا لحسم المباريات، ولكنه لن يمنح الريال نجاحًا مستمرًا، علاوة ذلك فإن المرونة في تبديل المراكز تضفي أسلوبًا ديناميكيًا، ولكنها تؤدي إلى اختلالات هيكلية تعرض الفريق للخطر في الدفاع.
إضافة إلى ذلك فإن نهج ريال مدريد بشكل عام أقل ميلًا للهجوم من برشلونة، فهم لا يلعبون بنفس خط الدفاع المتقدم، ولا يمارس لاعبو الريال الضغط المستمر طوال اللقاء، بل يختارون لحظاتهم.
وبالتالي في الموسم الذي هيمنت فيه صفقات ريال مدريد الضخمة ونجومه على عناوين الصحف، صاغ برشلونة بهدوء رواية مضادة تحت قيادة فليك الذي اعتمد على الهيكلية على حساب الأداء الاستعراضي.